کد مطلب:309793 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:279

القسمت 30


كانت فاطمة تقرأ القرآن.. فی یدها مصحف.. فجأة سقط المصحف علی الأرض... ثم حلّق فی السماء یخترق الغیوم.. و یتیه بین النجوم.. ورأت فاطمة نفسها تطیر وراءه.. ترید اللحاق...

و كان القرآن ینادی:

- هلمی إلیَّ.. هلمی إلی السماء.

و نظرت فاطمة وراءها فرأت الأرض زیتونة مشحونة بالبرق و بالرعود.

هبّت فاطمة من نومها... و هواجس الخوف تحاصرها.

قالت لأبیها:

- یا أبتی أنی رأیت قرآناً یسقط من یدی.

قال الذی عنده علم الكتاب:

- یا فاطمة.. یوشك أن اُدعی فأُجیب.. وقد عرض علیَّ جبریل


القرآن فی هذا العام مرّتین.

تجمّعت فی عینیها الدموع... ضرب الحزن اطنابه فی القلب الكسیر... دق أوتاد خیامه.

قال الأب لیسرّی عن ابنته:

- لا تحزنی.. أنتِ أول أهل بیتی لحوقاً بیّ.

أشرقت شمس الأمل.. وجدت لها طریقاً خلال الغیوم فعادت البسمة تموج فوق وجه أزهر... وجه یتألّق بنور اللَّه، واللَّه نور السماوات و الأرض.

و تمرّ الأیّام متوجسة و الأرض تفتقد جبریل.

سقط رسول السماء مریضاً فوق الأرض.. عصفت به الحمی.. عجز الماء عن اطفائها... و شعر الرجل السماوی بأنّ الاُفق مشحون بالمؤامرة وان هناك عیوناً تبرق فی الظلام ترید الاستحواذ علی أمانة.. تهیّبت حملها السماوات و الأرض.

هناك فی الخفاء و بعیداً عن العیون كان العنكبوت تنسج شبكة مخیفة. و كانت هناك فراشة قادمة... تحلم بالربیع دفعتها ریح صفراء فهی توشك ان تسقط فی بیت هو أهون البیوت.

فی اللیل و الناس نیام حطّم الشیطان أغلاله و ذرّ قرنیه یرید الفتنة...


كان الجوّ مكفهراً.. و قد ادلهمت السماء.. و سكون مهیب یجثم فوق المدینة.. والقلق عاصفة مدمّرة تهزّ القلوب ترید اجتثاث الطمأنینة منذ بیعة «العقبة» و «بیعة الرضوان»، كانت القلوب خائفة وهی تنطوی علی شی ء یوشك أن تفقده... السلام... كان محمد سلاماً فی الأرض.. والأرض توشك أن تفقد هذا السلام...

و رسول اللَّه یغلی بالحمّی...، وأفواه القرب ترید اطفاء الجمر، حتی اذا هدأت الحمی وانتظمت انفاس النبیّ أرسل وراء أصحابه وقد شمّ فی الفضاء رائحة غریبة..

طفحت الفرحة فوق الوجوه وهی تنظر إلی النبیّ هادئاً قد فارقته الحمّی؛ قال الرسول و هو یرید تمزیق شباك العنكبوت:

- ألم آمركم أن تنفذوا جیش اسامة.

تمتم بعض الصحابة:

- بلی یا رسول اللَّه.

- لِمَ تأخرتم عن أمری؟

قال أبوبكر مبرّراً:

- انی خرجت إلی الجرف ثم رجعت لاُجدد بك عهداً.

وعلّق عمر:

- وأنا لم أخرج.. لا أُرید أن اسأل عنك القوافل.


العنكبوت منهمكة فی مدّ الخیوط لاصطیاد فراشة الربیع و النبی یحاول تمزیقها:

- انفذوا جیش اسامة.. لعن اللَّه مَنْ تخلف عن جیش اسامة.

تسارعت أنفاس الرسول وكان قلبه یخفق بشدّة و قد عاودته الحمی، و شعر بدوار یعصف برأسه.. حتی غامت الأشیاء حوله..

و بكت النسوة.. و كادت فاطمة أن تموت.

أفاق النبیّ من غیبوبته و قد شعر بالخیوط الواهنة تسدّ الطریق علی فراشة الربیع فحاول للمرّة الأخیرة:

- أئتونی بدواة و صحیفة لأكتب لكم كتاباً لا تضلّوا بعده أبداً.

هبّ صحابی ینشد الهدایة.. ولكن العنكبوت كانت قد سدّت الطریق أمام فراشة النور.

قال عمر آمراً:

- ارجع لقد غلب الوجع رسول اللَّه... انه لیهجر و حسبنا كتاب اللَّه.

رمق أبوبكر صاحبه بنظرات ذات معنی.

و قال الذی نهض:

- هل أحضر لك الدواة یا نبیّ اللَّه؟

قال النبی بحزن:


- أبعدَ الذی قاله عمر.

واحتجت النسوة من وراء حجاب و كان صوت اُم سلمة واضحاً:

- ائتوا رسول اللَّه حاجته.

هتف عمر بعصبیة:

- اسكتن فانكن صواحب یوسف.. إذا مرض عصرتن أعینكنّ واذا صح أخذتن بعنقه.

نظر النبیّ إلی أبی حفص و تمتم:

- هنّ خیرٌ منكم.

و بكی أحد الصحابة، و قد شعر بهبوب العاصفة... و تفرق من كان حاضراً.. ولم یبق مع النبیّ إلّا شاباً لا یفارقه مذ أطلّ علی الدنیا وهاهو الیوم الموعود.. یوم تعود فیه النفس إلی بارئها راضیة مرضیة..

الیوم هو یوم الاثنین.. و «صفر» لا یرید الانطواء إلّا بعد أن یشهد رحیل السلام..

كان علیّ یعتنق الرجل الذی ربّاه صغیراً و علّمه كبیراً وفتح له أبواب الملكوت.. و النبیّ یشدّ علی ید فتی شری روحه للَّه و الرسول.. اللَّه وحده الذی یراقب الأعماق..

كان علیّ كالمذهول. ودّ لو یقیه بروحه... الحیاة مریرة دون محمّد. و ما أحلی الموت معه أو دونه.


نهضت «فاطمة» تجرجر نفسها بعناء و تبعها السبطان.. فإنّ للنبیّ والوصی ساعة من وداع بعد رحلة دامت ثلاثة و عشرین سنة..

لحظات كالقرون المتمادیة والنبی ینوء بنفسه، یصغی إلی ملائكة الرحمن، ولكن أهل الأرض عن السمع لمحجوبون.. لم یسمعوا شیئاً سوی كلمات هی آخر ما حفظته الأرض من رسول السماء:

- بل الرفیق الأعلی..

وانطلق «محمد» نحو اللَّه یعبر السماوات مخلّفاً جسده بین ذراعی علیّ.. وقد هبّت العاصفة، و حطّم الشیطان أغلاله فراح یوقظ الأوثان العربیة.